Iran/Saudi Arabia: Many reasons for conflict

Iran saudi arabia image conflict

نفوذ وساحات وسلاح ونفط ومال وحلفاء ووكلاء و … ايديولوجيا

السعودية – ايران من “الودّ الملغوم” الى الصِدام المكشوف

* الرئيس روحاني فضّل عدم زيارة السعودية نظراً لمستوى الصراع المستفحل بين الجانبين

* ابقى “اوباما الاول” التوتر على حاله بين الرياض وطهران ليبدّل “اوباما الثاني” سياسته اخيراً مما أغضب السعودية

* الاتفاق السعودي – الاميركي يقضي بحماية المملكة من اي خطر لقاء ضمان الرياض استقرار أسعار النفط

* واشنطن قدمت بغداد “هدية” غير مقصودة لطهران

* المعركة في سورية إنتقلت من إسقاط النظام الى الحرب على الجهاد العالمي

* اوروبا واسرائيل تخشيان “افغانستان ثانية” على حدودهما

* عودة الحرارة الى العلاقات التركية – العراقية بمسعى ايراني

* البحرين مقبلة على تغييرات إصلاحية في الـ 2014

* ايران لن تستطيع ابقاء حالة التوتر قائمة مع السعودية

* السعودية تفضل الانتظار والتريث في معالجة الملف اللبناني

* اذا اعترف الغرب بايران نووية ستسعى المملكة لبناء مفاعلها بالتعاون مع باكستان

* ايران توحد الاسماعيليين والحوثيين والزيديين والعلويين والشيعة

* علاقة واشنطن والرياض … إستراتيجية متينة وتكتيكية يميّزها المد والجزر

* السعودية تريد حلاً في الشرق الاوسط لمنع ايران من الاستمرار في “توظيف” الورقة الفلسطينية

بروكسيل – من ايليا. ج. مغناير:

تحوّل الصراع القديم – الجديد بين “الجبّارين” في الشرق الاوسط، السعودية وإيران، من “الودّ الملغوم” الى “العداء المكشوف”، الذي أنتج انقساماً اقليمياً حاداً تُرجم صراعاً عسكرياً بين حلفاء الطرفين و”وكلائهما” في هذه البقعة الصغيرة من العالم، لكنها الجغرافيا التي تنتج منها ويمرّ عبرها خُمس احتياجات الكوكب من النفط.

وفي الوقت الذي تمثل المملكة العربية السعودية عصَب التحالف الموالي للولايات المتحدة الاميركية، تتزعّم الجمهورية الاسلامية في إيران محور “الممانعة” المناهض لمشروع الغرب ولإسرائيل الحليفة رقم 1 للولايات المتحدة في المنطقة، وقد نتج من هذا الاستقطاب بين الدولتين المركزيتيْن صراع محموم اتخذ أشكالاً وأدوات عدة بينها التمويل العلني والسري لحلفاء بارزين من الطرفين.

لم تهدأ “الحرب الباردة” بين القوّتين الاقليميتين ولم تسترح منذ وصول الإمام الخميني إلى السلطة في إيران العام 1979، فهو بادر علناً الى مهاجمة المملكة العربية السعودية لدعمها العراق في حربه مع إيران، لكن سرعان ما انخفض التوتر بين الطرفيْن يوم تسلم هاشمي رفسنجاني الحكم في طهران، وبلغ مرحلة متقدمة من الاسترخاء في عهد الرئيس الإيراني محمد خاتمي، إضافة إلى ان الموقف الإيراني الداعم للكويت إبان إجتياح صدام حسين لها ساهم في تحسين صورة الجمهورية الإسلامية لدى دول مجلس التعاون الخليجي.

هذا “الوقت المستقطع” من الاستقرار النسبي في العلاقة بين الرياض وطهران، دفع المملكة العربية السعودية الى دعوة الرئيس الإيراني احمدي نجاد لزيارة الحج في العام 2009، فلبى الدعوة على عكس الرئيس الحالي حسن روحاني، الذي فضّل التريث في الوقت الراهن، نظراً لمستوى الصراع المستفحل بين الطرفين في المدى الاقليمي برمّته، والذي يكاد ان يطال كل شيء وأي شيء في “قوس الأزمات” المترامية في المنطقة.

ورغم ان الطرفين، السعودية وإيران، يجتمعان تحت راية حكم الإسلام والشريعة، فإنهما يفترقان في العقيدة، الامر الذي يشكل “الصاعق”، الذي لم يعد صامتاً، للصراع بين الدولتين وامتداداتهما الاقليمية، وهو الصراع الذي يتجسد في مشروعيْن متقابليْن يختلط فيهما الديني بالاستراتيجي، والسياسي بالأمني. ولعل ما يجري في سورية، وفي ساحات اقليمية اخرى، يعكس حجم الصدام، الذي تحوّل علنياً، بين المحورين.

واللافت في هذا السياق ان الولايات المتحدة في عهد الرئيس الحالي باراك اوباما، لم تعمل على الحدّ من التوتر بين السعودية وإيران، بل استمرّت في سياسة ادارة جورج بوش – الابن، وكأنها أرادت إبقاء الوضع على حاله. رفضت في عهد “اوباما الاول” مفاوضة إيران حول ملفها النووي، لكن في منتصف ولاية “اوباما الثاني” بدّلت الادارة الاميركية من اولوياتها على النحو الذي لا تشتهيه الرياض، والذي … أغضبها ايضاً.

واشنطن والرياض … مد وجزر

ثمة مَن يرى ان الوصف الدقيق للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية هو: علاقة استراتيجية متينة وتكتيكية متنافرة في بعض الاحيان وبعض الأمكنة والملفات … فالرياض التي سعت الى رفع حجم قواتها المسلحة وقوات الحرس الوطني، أبرمت صفقة مع واشنطن قُدرت بـ60 مليار دولار، الهدف منها تعزيز قدراتها العسكرية وحماية نفسها من الخطر المجاور لها.

اما الصفقة غير المعلنة بين الجانبيْن فتقوم بموجبها الولايات المتحدة بحماية المملكة من اي خطر خارجي لقاء قيام السعودية بالعمل على تحقيق الاستقرار في أسعار النفط العالمية، وهي الصفقة السارية المفعول رغم الاحتكاك المتبادل للمصالح بين الدولتين والذي بلغ حد الانتكاسة أخيراً.

ومَن يدقّق في الخط البياني للعلاقة الاميركية – السعودية، يكتشف حالات من المدّ والجزر ميّزتها في بعض المراحل وحيال بعض القضايا. والأبرز في هذا السياق يمكن رصده على النحو الآتي:

* عدم تجاوب الولايات المتحدة في العام 2002 مع المبادرة التي أطلقها الملك عبدالله بن عبد العزيز يوم كان ولياً للعهد في شأن القضية الفلسطينية. فواشنطن امتنعت حينها عن الوقوف الى جانب المسعى السعودي لحشد تأييد دولي وعربي واسع يفرض على اسرائيل القبول بحدود العام 1967، اي تلك التي كانت قائمة قبل حرب الايام الستة.

* إصرار الرئيس باراك اوباما على استخدام الفيتو ضد مشروع قرار في مجلس الامن ضد التوسع في حركة الاستيطان الاسرائيلية، رغم التمني الشخصي من الملك عبد الله بعدم لجوء الولايات المتحدة الى “حق النقض”، وخصوصاً ان الرياض تريد حلاً يؤدي الى قيام الدولة الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه ايضاً منْع إيران من الاستمرار في توظيف الورقة الفلسطينية في اطار عملية توسعها في الشرق الاوسط.

* النكسة الباهظة الأثمان التي منيت بها المملكة العربية السعودية عندما حوّلت الولايات المتحدة العراق من عدو لدود لإيران الى حليف استراتيجي لها، فتوسّع نفوذ إيران في بلاد ما بين النهرين، وتالياً شكلت “الهدية” غير المقصودة التي قدمتها الولايات المتحدة لإيران تحوّلاً في الموقع الإقليمي لبغداد، اضافة الى ان التجارة بين العراق وإيران تُقدر بـ 8 مليارات دولار سنوياً.

* أفضى التعاون الاميركي – السعودي الى إبلاغ واشنطن للرياض عن نشاط استخباراتي إيراني وتواصُل قوي بين مسؤولين إيرانيين والحوثيين في اليمن الذي تدرك الولايات المتحدة انه يمثل الجناح الجنوبي للسعودية وحديقتها الخلفية. كما أبلغت واشنطن الى السعودية وجود تواصل بين الاستخبارات الايرانية والمعارضة البحرينية، وانها كشفت محاولة إيرانية لاغتيال سفير المملكة في واشنطن عادل الجبير (القريب من الامير بندر بن سلطان، فالاثنان خدما سوياً لأعوام طويلة في سفارة بلادهما في العاصمة الاميركية).

وكانت السلطات الاميركية ألقت القبض على المتهم في محاولة اغتيال الجبير، المواطن الاميركي – الإيراني منصور ارببسيار واتهمته مع العضو في الحرس الثوري الإيراني غلام شاكوري بالتآمر لقتل السفير السعودي. وسيمثل ارببسيار امام المحكمة في ديسمبر المقبل وقد يُحكم عليه بالسجن لـ 25 سنة اذا أدين.

* رغم هذا التعاون فان المملكة العربية السعودية بدت مستاءة من انفتاح الولايات المتحدة على إيران وبدء الحوار وإبرام الاتفاق المبدئي معها في شأن الملف النووي آخذةً اوروبا خلفها، الامر الذي من شأنه ان يؤدي الى رفع العقوبات تدريجياً عن طهران التي تدعم – بحسب النظرية السعودية – “حزب الله” اللبناني الذي تصنّفه اميركا على انه “منظمة ارهابية”، اضافة الى الدور الذي تضطلع به إيران في سورية دعماً لنظام الرئيس بشار الاسد.

* لم تستطع الرياض كبت غضبها اخيراً من واشنطن بعدما هدد اوباما وتوعّد بتوجيه ضربة لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، حاشداً أساطيله، قبل ان يتراجع عن قرار الحرب الذي راهنت عليه السعودية للتخلص من نظام الاسد الذي لم يعد في إمكانها التعامل معه لأسباب عدة من بينها: تبنيه المطلق لسياسة إيران وخياراتها في المنطقة، ودعمه المنظمات الفلسطينية المناهضة للسلام مع اسرائيل وإغداقه السلاح على “حزب الله” اللبناني ودعمه لتقوية نفوذه في لبنان على حساب حلفاء السعودية.

إلا ان للولايات المتحدة حسابات اخرى، فهي لا تريد الانجرار الى صراع بين بلدين يتنافسان على زعامة الخليج وبلاد الشام، ولا تريد الدخول في منازلات ذات طابع نفوذي – ديبلوماسي بخلفيات طائفية ومذهبية، إضافة الى انها حاسمة في رفضها التدخل العسكري لضمان غلبة طرف على آخر، بل تحاول عبر الادارة الاوبامية إجتراح حلول لتنفيس الاحتقان بين القطبين الاقليميين وإدارته. اذ ان واشنطن متيقنة ان الصراع المذهبي الدائر ما هو الا صراعاً على السلطة والنفوذ في الشرق الاوسط.

سورية ومتغيراتها

من الواضح ان سورية التي كانت لاعباً اقليمياً مرموقاً تحوّلت الآن ساحة للصراع الاقليمي عليها. فالسعودية كانت اول دولة استدعت سفيرها من دمشق عندما بلغ “الربيع العربي” الشام. غير ان إيران هبّت وحيدة في الشرق الاوسط للدفاع عن الأسد، وسارعت لفعل كل ما في وسعها لابقائه في السلطة قبل ان تنضمّ اليها روسيا لاحقاً، وهي التي لم تنسَ كيف تعامل معها الغرب عند الاطاحة بمعمر القذافي في ليبيا.

غير ان المعركة في سورية بعد عامين ونصف العام على الصراع اللاهب تخطت بنظر الكثيرين مسألة إسقاط نظام الاسد، لتتخذ طابعاً مغايراً تجلى في قرع ناقوس الخطر في أرجاء القارة الاوروبية من مغبّة تمدُّد وجود الارهابيين وامتداد نفوذهم الى حدود اوروبا المسكونة بالتوجس من هذا الخطر.

هذا التبدل في مقاربة الوضع في سورية لم يرُق للمملكة العربية السعودية التي تتركز سياستها على الأهداف الآتية:

* العمل على تغيير النظام الحالي في سورية لاستحالة التعامل مع الأسد مستقبلاً.

* السعي لاعادة الحركات الفلسطينية جميعها الى الطاولة لايجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية، غالباً ما عمل من اجله الملك عبدالله شخصياً.

* قطع “الهلال الشيعي” الممتدّ من إيران الى “حزب الله” في لبنان مروراً بالعراق وسورية، ووضْع حد لتدفق السلاح الى ميليشيا “حزب الله” لإجبارها على الجلوس على طاولة الحوار مع شركائها من دون استقواء.

ولم يعد خافياً ان الرياح السورية هبّت في الاتجاه المعاكس لما ترغبه المملكة مع انتشار منظمات الجهاد العالمي على ارض المعركة. فهذه الجماعات المتشددة لا تريد الدخول في اي مفاوضات سلام او المشاركة في اي تسوية، ما أشعر اوروبا بالقلق من امكان تمدُّد تلك المنظمات في اتجاه تركيا وعلى حدود القارة الاوروبية، وهو ما أقلق اسرائيل ايضاً التي تخشى من “افغانستان اخرى” على حدودها وانتقال العدوى الى البيئة الفلسطينية المهيأة اصلاً لاحتضان الجهاد العالمي.

وشكل دخول “حزب الله” وبقوّة الى جانب نظام الاسد بعد عامين على الصراع في سورية تحوّلاً في مسار المعركة حين انقلبت الدفة نتيجة الثقة المستعادة عند الجيش السوري المشرذم، والذي حقق بمؤازرة “حزب الله” ومعيّته انتصارات استراتيجية مهمة أرغمت المجتمع الدولي على الاعتراف بالأمر الواقع والبحث عن حل من خارج الدعوة لتنحية الرئيس الاسد بعدما كان هذا الامر بمثابة المطلب الرئيسي لايّ مفاوضات من اجل وقف الحرب.

ومع هذه التطورات انتقلت المعركة من إسقاط النظام الى السعي من اجل احتواء ارتدادات الصراع ودخول الجهاد العالمي على خطه بقوة. وهذا السبب وسواه جعل تركيا الملاصقة لدول اوروبية اخرى تعيد النظر في مقارباتها، وتالياً فإنها أعادت علاقاتها مع إيران بدفع أكبر بعد الفتور الذي أصابها نتيجة لموقفها من الحرب في سورية. الا ان ردة الفعل اتت سريعاً من حليف المملكة (مصر)، وبالنتيجة ربح الباب العالي بلاد الرافدين وبلاد فارس وخسر بلاد الفراعنة والحجاز بالطرد المتبادل للسفيرين في تركيا ومصر.

وقد علمت “الراي” ان لقاءات ديبلوماسية وأمنية كثيفة حصلت بين القادة الإيرانيين والأتراك أفضت الى إعادة الحرارة الى العلاقات التركية – العراقية وعودة “العثمانيين” الى باب النجف بعد الوساطة الإيرانية، وهو ما ادى ايضاً الى تراجع ملحوظ في وتيرة الموقف التركي العدائي للنظام في سورية وهذا ما ترك المملكة العربية السعودية شبه وحيدة في معركتها مع الأسد.

مثلث الرياض، بغداد وطهران

ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإن عراق ما بعد صدام حسين يشكل واحدة من الساحات البالغة الاهمية، فالرياض تطالب اليوم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بدفع 30 مليار دولار أقرضتها السعودية لصدام حسين خلال حربه على ايران وهو يرفض دفع المبلغ الذي استُخدم لنصرة عدوه اللدود وعدو حليفته الاستراتيجية الحالية ايران.

فقد اعتبرت المملكة العربية السعودية ان الولايات المتحدة أسدت خدمة مجانية لايران بوضع حبل المشنقة حول رقبة صدام حسين وتسليم مفاتيح بغداد لطهران. الا انها حاولت التأقلم وقبول الامر الواقع بالتوازي مع سعيها لوجود حليف لها على رأس حكومة العراق الجديد. الا ان ايران كانت لها بالمرصاد وأبقت على “الوليمة” العراقية لنفسها فقط مما دفع الرياض الى قطع علاقاتها مع المالكي منذ تسلمه الحكم حتى الآن واختيار ما كانت تفعله ايران اثناء وجود صدام حسين في الحكم، اي دعم المعارضة العراقية والجماعات التي تحارب النظام العراقي عسكرياً.

ورغم ان لا دليل على دعم السعودية لتنظيم “القاعدة” في العراق، وعلى الاتهامات التي توجه اليها، الا ان من الطبيعي ألا تقلق الرياض لعدم إستقرار حكومة المالكي وحليفته طهران بفعل التفجيرات والسيارات المفخخة في بلاد الرافدين.

… الى البحرين

لم تكتف الولايات المتحدة بتوجيه الضربة الى حليف المملكة صدام حسين بل ذهبت الى إسقاط “حائط الصد” الثاني المتمثل بالرئيس حسني مبارك حين طلبت منه التنحي على وقع تظاهرات الشارع المصري، تاركةً السعودية وحيدة من بين عمالقة العرب الذين كان على عاتقهم الوقوف في وجه إيران. ولكن واشنطن ذهبت ايضاً إلى ابعد من ذلك: … انها ذهبت الى البحرين.

فوزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس قصد البحرين ليعلن انه “ينبغي على الحكومة ان تتبنى اصلاحاً سياسياً واجتماعياً حقيقياً لإرساء الديموقراطية”.

الرياض التي لم “تهضم” هذا السلوك الاميركي، بدا انها قررت عدم الوقوف على الأطلال، وانتظرت سقوط “الاخوان المسلمين” في مصر لتدعم الحكم الحالي غير آبهةٍ بموقف واشنطن المتردّد حيال الواقع الجديد في مصر.

اما في ملف البحرين فقد ذهب الامير بندر بن سلطان الذي عايش خمسة رؤساء جمهورية اميركيين وأمضى 23 عاماً كسفير للمملكة في واشنطن، الى باكستان والهند وماليزيا والصين، لحشد الدعم اللازم للتدخل السعودي في البحرين، غير آبه بما تتمناه الولايات المتحدة.

وعلى متن قرار من مجلس التعاون الخليجي، عبَرت قوة سعودية جسراً، اوّله في المنطقة الشرقية في السعودية وآخره في البحرين، وكانت مؤلفة من اكثر من الف جندي وضابط، بحسب ما أُعلن. وهكذا استطاعت المملكة تجاهل الولايات المتحدة وادارة ظهرها لإيران مسجّلةً “الانتصار اليتيم” على حكام طهران في سلّة من الملفات الاخرى الساخنة. ولكن المعركة لم تنته فصولاً، اذ علمت “الراي” من مصادر ديبلوماسية اوروبية معنية بالملف البحريني ان “سنة 2014 ستحمل ضغوطاً جمّة من الغرب على قيادة دولة البحرين لاستيعاب مطالب المتظاهرين وإحداث تغيير فعلي من شأنه وقف الاستنزاف الحالي”.

وفي معلومات خاصة لـ “الراي” ان “محاولات جدية قامت بها طهران لدعم البحرينيين ضد السلطات القائمة وتوفير الدعم الذي يمكّن المعارضة من مجابهة السلطات، الا ان تلك المعارضة رفضت لإصرارها على متابعة المعركة سلمياً”.

لبنان الصعب

يدرك “حزب الله” الشيعي – اللبناني ان المملكة العربية السعودية شريك أساسي في لبنان لا يمكن تخطيه، لانتماء فريقٍ سياسي يمثل نصف لبنان لسياسة الرياض. ولهذا، فانه مهما تعالت الاصوات واشتدت اللهجة فان العودة الى المربع الاول من التعايش السياسي أمر لا مفر منه.

ورغم هذا الاقتناع، فان الصراع اليوم يتمثل في السباق مع الوقت. فإيران لن تستطيع إبقاء حالة التوتر مع السعودية (وهذا بالطبع يشمل ايضاً مواقف حلفاء الطرفين)، الا انها تسعى لتأمين الغلبة للنظام السوري الذي يعدّ الرئة الاستراتيجية التي يتنفّس منها “حزب الله” في صراعه مع اسرائيل وهو الذي يشكل عصَب محور الممانعة الممتدّ من إيران الى الرئيس الاسد الى “حزب الله”.

وكانت الولايات المتحدة استعجلت إعلان انتصارها عام 2006 في معركة اسرائيل بالنيابة عنها ضدّ “حزب الله”، مما دفع رئيس الديبلوماسية السعودي الامير سعود الفيصل الى مهاجمة “حزب الله” اثناء تلك الحرب لاعتقاده ان الشرق الاوسط يشهد مخاضاً جديداً على وقع حرب ستدمّر هذا الحزب، الا ان شيئاً من هذا القبيل لم يحصل. ومرة اخرى جاهر الامير الفيصل بالعداء لـ “حزب الله” وإيران لتدخلهما في سورية وتعويم بشار الاسد وإفساد رغبة المملكة في تغيير النظام، مما وسّع رقعة الاشتباك على المسرح السوري واللبناني، والنتيجة كانت إتهام حلفاء ايران وسورية للمملكة العربية السعودية – من دون اي دليل – بالوقوف وراء التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة التي تطال بيئة “حزب الله” وسفارة إيران في لبنان.

وقال مصدر اوروبي مسؤول لـ “الراي” ان “المملكة العربية السعودية تملك خيوط تواصُل مع الجماعات التكفيرية دون ان تملك سلطة عليها ولا معرفة بمخططاتها فهي – اي السعودية -أحبطت بعمل مشترك أمني أكثر من 195 عملية ارهابية من التكفيريين على أراضيها”، مضيفاً: “نعم لدى السعودية جهات مقاتلة في سورية تعمل على تموينها وتسليحها بمعرفة الغرب. وكذلك تملك من النفوذ السياسي الكافي في لبنان والمنطقة العربية، الا انها لن تجابه إيران بتفجير سفارتها او بعثاتها الديبلوماسية بالمباشر وعن طريق انتحاريين”.

وتابع المصدر ان “طهران والرياض يتنافسان على اكثر من مسرح ساخن مثل سورية والعراق واليمن وافغانستان وباكستان وعلى مسرح سياسي مثل لبنان، اضافة الى الملف النووي وملف الطاقة وإنتاجها والتحكم بأسعارها. فليس مفاجئاً اختلاط الامور في لبنان حيث تفضّل السعودية التريث في الملف السياسي بينما تُوجَّه لها اصابع الاتهام في كل تفصيل امني يحدث، وهذا غير دقيق لان المتهَم الاول انتقل من ان يكون الشيطان الاكبر – أي اميركا – الى الشيطان الاصغر – اي اسرائيل – واليوم بات المتهم الاساسي هو السعودية في نظر جزء من اللبنانيين”.

وثمة اعتقاد في ضوء هذا المستوى من الانقسام ان الصراع بين القطبين سيستمر الى حين اتضاح الخيط الابيض من الاسود في الوضع السوري ونضوج ظروف المفاوضات بين السعودية وإيران الامر الذي من شأنه تهدئة جبهة الشرق الاوسط قليلاً.

الطاقة و… النووي

المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في إيران ليسا بحلفاء او أعداء عاديين بل هما في وضعية التنافس على الطاقة والنفوذ في الشرق الاوسط، وكلٌّ منهما يحاول احتواء نفوذ الآخر مما يساعد بإلصاق تهم الأعمال الإرهابية بكليهما.

لدى إيران ميزة استراتيجية من خلال جلوسها بين بحر قزوين والخليج، وكذلك هي تسيطر على 34 ميلاً بحرياً (مضيق هرمز) الذي يعبر من خلاله نحو 40 في المئة من تجارة النفط العالمي. اما المملكة العربية السعودية – الثانية عالمياً كدولة منتجة للنفط – فإرتفعت عائداتها الى نحو 700 بليون دولار سنوياً في الوقت الذي لا يتجاوز عدد سكانها الـ 28 مليون نسمة، بينما وصلت ايرادات إيران – الرابعة عالمياً كدولة منتجة للنفط والثانية كدولة منتجة للغاز – الى نحو 100 بليون دولار سنوياً في حين ان عدد سكانها يناهز الـ 76 مليون نسمة.

وقد حاصرت العقوبات الاميركية على إيران انتاجها من النفط وقيّدته بشدة وأعاقت الاستثمارات الأجنبية فيها، وتالياً أُعطيت السعودية مركز الصدارة والتفوق في سوق الطاقة العالمية وقيادة الاوبك (الدول المنتجة والمصدّرة للنفط)، ولهذا فان المملكة تتمتع بمستوى عالٍ من النفوذ الاقتصادي تُحسد عليه. ليس هذا فحسب، بل ان الرياض استخدمت نفوذها في سوق الطاقة لترويض طهران عبر خفض أسعار النفط ومحاولة الحدّ من الاستثمار الاجنبي في صناعات النفط والغاز، على النحو الذي يساعد على منع نمو الاقتصاد الإيراني المتداعي بسبب العقوبات الناجمة عن الخشية من ملفها النووي، في الوقت الذي يمكن للمملكة التعويض بسهولة عن ايّ انخفاض لأسعار النفط من خلال زيادة إنتاجها. فالايرادات النفطية عندها تبلغ 8.2 مليون برميل يومياً، بينما لا تستطيع إيران زيادة إنتاجها لانها تفتقر الى القدرة، وخصوصاً بعدما أقنعت السعودية بلدين اساسيين، هما الصين والهند، بخفض مشاركتهما في قطاع الطاقة الإيرانية.

وخيّم على الدوام على هذه “الحرب الصامتة” في الميدان النفطي بين البلدين الملف النووي الايراني، اذ تخشى المملكة ان تصبح إيران دولة نووية، وهي لهذا تسعى بمساعدة باكستان وبهدوء لبناء مفاعلها النووي وخصوصاً ان لديها الكثير من أموال النفط وموارد الحجيج (30 مليار دولار سنوياً) تحت تصرفها.

اليمن غير السعيد

على رقعة الشطرنج الحامية، يشكل اليمن حلقة تصادم بين السعودية وإيران. فهو بلد هشّ يواجه التفكك في ظروف أمنية واقتصادية وسياسية بالغة الخطورة حيث تلعب فيه ايضاً الولايات المتحدة، التي ساهمت بالاطاحة بالرئيس علي عبدالله صالح بعد 43 عاماً من الحكم.

ويمثل اليمن جزءاً من الأمن القومي للمملكة العربية السعودية خصوصاً لوجود 1125 ميلاً من الحدود المشتركة بينهما، وهو ما دفع الرياض الى التصدي للنفوذ الإيراني في باحتها الخلفية. الا ان لطهران مشروعاً آخر، فقد قرّرت اتباع سياسة الاحتواء في الشرق الاوسط لتوحيد الشيعة والزيدية والاسماعيلة والعلوية والحوثية تحت عقيدة مشتركة مما أتاح لرجال طهران الوجود بفعالية على الأرض من خلال حلفائهم.

فمن وجهة نظر الرياض، فان اليمن يمثل الحلقة الأضعف لأمن شبه الجزيرة العربية مما يجعلها مستعدة لكل شيء لمنع انتشار نفوذ إيران في المحافظات الشرقية والجنوبية، من شمال صعدة حتى محافظة نجران السعودية، وهي أرسلت العام 2009 طائراتها لضرب الحوثيين في معاقلهم، ووجد آلاف السلفيين طريقهم لحماية امن المملكة في اليمن وهو ما اسفر عن مصادمات تسببت بآلاف القتلى والجرحى بين الطرفين.

وفي هذا الشهر بالذات وقع هجوم من “جند الله” على الحدود الباكستانية – الإيرانية قتل فيه المهاجمون 14 من حرس الحدود الإيرانيين في منطقة سرافان في محافظة سيستان – بلوشستان. وبعد ايام قليلة، اندلعت صدامات مسلحة على بُعد 90 كيلومتراً من الحدود السعودية بين السلفيين والحوثيين في دماج – صعدة. طبعاً في غمرة الحرب الباردة، لم يتهم اي من الطرفين الآخر، الا ان اسلوب الرسائل المعتمد بين الدول يصعب عدم فهمه.

ثمة أخطاء حصلت وربما خطايا من البلدين (السعودية وايران) ومن وكلائهما على الارض، اضافة الى الشكوك والمنافسة الحقيقية الاقتصادية والسياسية والعقائدية. وهذا التضافر في عوامل التوتر جعل من الشرق الاوسط بقعة غير آمنة، حتى ضجّ حلفاء الطرفين بصراع القوتين الاقليميتين المتمادي اذ تحوّل هذا “العداء” تناحراً تهدر فيه دماء الطوائف حتى بين اصحاب الدين الواحد.

ألم يشر القرآن الكريم الى “ان الله يستبدل قوماً بآخرين اكثر ايماناً؟”، ألم يشر الى قارون كيف خسف به الارض، هو الذي من مفاتح خزائن ماله، تنوء من حملها اولي القوة؟ … العبرة لمَن اعتبر.