“أحزاب الحيتان” تنتصر في العراق فأين المرجعية وإيران وأميركا؟

ALimk6u4.jpg-large

page1image1785472page1image3690192page1image3692896كتب – ايليا ج. مغناير:  @ejmalrai

قبل أعوام ليست ببعيدة، تنبأ القادة الأميركيون وأكبر محللي الإرهاب في الولايات المتحدة بانتصار تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) وتقسيم العراق. ولم يتوقّع هؤلاء ردّ فعل المرجعية الدينية في النجف ولا موقف إيران المصمّم على محاربة التكفيريين في العراق وسورية ولبنان كي لا يلتقوا بهم في طهران.

واليوم يُثْبِت العراقيون أنهم هم مَن دفعوا ضريبة التحرير، واليوم هو يوم استقلال العراق وليس العام 2003 بعدما هُزمت “داعش” بفضل فتوى المرجعية الدينية في النجف. إلا أن الطريق لا يزال طويلاً أمام العراقيين للوصول الى التمثيل الحقيقي في البرلمان. اذ لا تزال بلاد ما بين النهرين تحت سيطرة “أحزاب الحيتان” (أي الأحزاب الكبرى كما يسمّونها في العراق) التي ستكون هي مُسَيْطِرة على البرلمان المقبل من خلال إنشاء حكومة غالبية سياسية وحكومة ائتلاف تقود البلاد.

موقف المرجعية الدينية في النجف:

لا يجادل أحد في أن السيد علي السيستاني صاحب فتوى “الجهاد الكفائي” هو الذي يقف وراء هزيمة “داعش” وليس رئيس الوزراء حيدر العبادي ولا رئيس أميركا ولا إيران. ومما لا شك فيه – على الرغم من التأخر المقصود للرئيس باراك أوباما العام 2014 عندما احتلّ “داعش” الموصل ووصل الى مشارف بغداد ولم يتوقف إلا لِنفاذ النفط في سيارات مسلّحيه – أن أميركا لعبتْ دوراً عسكرياً واستخباراتياً في هزيمة “داعش” كي لا تترك بلاد ما بين النهرين في أحضان إيران التي هبّت لمساعدة العراق بدءاً من كردستان وحتى بغداد وقدّمتْ المستشارين والأسلحة، وكذلك شارك حلفاء إيران – حزب الله اللبناني – بالنصر.

إلا أن “المرجعية” تتألّم لقانون الانتخاب الحالي الذي يعطي الأحزاب الكبيرة الغلَبة على تلك الصغيرة او المستقلّة. ويؤكد السيد السيستاني انه يتوجّب على الجميع المشاركة في الانتخابات ولكنه لا يؤيّد ولا يزكي أحداً على الرغم من تعطُّش الناس – وحتى لومه – من عدم الطلب منهم انتخاب فلان او علتان.

ويقول السيد السيستاني إن لا عودة للديكتاتورية في العراق حتى ولو كان ديكتاتوراً ايجابياً او مُنْزَلاً من السماء. بل يجب ان يكون هناك قانون انتخاب يعطي كل شخص حق الوصول من دون ان يُفرض عليه الالتحاق “بحزب الحيتان” ليصل الى البرلمان.

ويعلم السيد السيستاني ان العراقي يريد “دبة (عبوة) غاز وتنكة نفط وماء وكهرباء وأمن”. إلا أن البلاد تحتاج لمَن يرعى مصالحها دون المصالح الأخرى ويحارب الفساد ويحكم لمدة معيّنة ولا يعود للحكم من جديد، وذلك لإعطاء المجال أمام الآخرين لإثبات أنفسهم وتقديم الخدمات للشعب العراقي المحروم منذ عقود.

وتخشى المرجعية ان يأتي يومٌ “لا يسمع بعده الناس كلام المرجعية ليضعوا العمامة بعلاقة (كيس من البلاستيك) ويشردوا (يخرجوا او يهربوا)”. هذا لأن الناس أطاعوا المرجعية من الجانب العقائدي والروحي حيث قدّم العراقيون (بعضهم) 6 شهداء من منزل واحد فقط لتلبية نداء المرجعية بمحاربة “داعش”. لكن هؤلاء الناس يريدون من السيد السيستاني ان يأمرهم بانتخاب مَن يراه مناسباً. وهنا الطامة الكبرى، اذ لا يرى السيد السيستاني أحداً مناسباً ليدلّ الناس عليه فيُلام على ذلك منهم.

ويطلب السيد السيستاني من العراقيين “استخدام عقولهم” لينتخبوا الأكفأ. وقد قال لي يوماً السيد السيستاني عندما سألتُه عن أفضل المرشحين للانتخابات: “من أين نأتي بالأفضل؟ وهل يوجد أفضل؟ هدولي (هؤلاء) جماعتنا… ماكو (لا يوجد أحد)”. ويعتبر الشارع العراقي ان المحبة لإيران مثل “أكل السمك، مأكول مزموم”. يعني يحبّ أكل السمك ولكن لا يستأنس برائحته.

فالعراقي عموماً لن يقدّم الطاعة لإيران حتى ولو حارب بسيفها.

Dc3-PZgWsAAqy87

  • فـ حيدر العبادي وقف قائد فيلق القدس قاسم سليماني في وجه ترشحه في الولاية الأولى وأراد من العراقيين تغييره. وسادت علاقة سيئة بين الاثنين لسنوات طويلة حتى وصل الرجلان الى تفاهُم أصبح معه سليماني يسوّق لانتخاب العبادي في السنة الأخيرة من حكمه.
  • هادي العامري: معروف أنه قاتَل في الحرب العراقية – الإيرانية وتمتّع بدعم كامل من إيران. إلا أن العامري وقف موقفين مميّزيْن: الأولى عندما انتقد علناً حزب الله على إخراج “داعش” من الحدود اللبنانية ليوصلهم الى دير الزور. أما الموقف الثاني فهو الذي رفض فيه طلب سليماني توقيع اتفاقية مع العبادي بدمج القوى قبل الانتخابات.
  • نوري المالكي: اعتُبر رجل إيران لسنوات طويلة. إلا أن هذه الصفة غير دقيقة. فقد أصرّت طهران على اختيار الرجل فقط لأنه تَمتّع بصفاتٍ مُناسِبة ليُخْرِج أميركا من العراق عندما كان خصمه – السيد عادل عبد المهدي – حينها يُعتبر أَضْعَف من الوقوف في وجه واشنطن. وقد رفض المالكي الاتفاق الذي وقّع عليه مساعِده الخاص حينها ويقضي بالمشاركة في الحكم مع التكتلات الأخرى. وهكذا حصلت إيران على ما أَرادتْه من إخراج أميركا من الباب (عادت من النافذة مع احتلال داعش) ولكنها حصلت ايضاً على استياء كل الكتل الشيعية منها.

وفي موقف آخر اعتبر المالكي ان قاسم سليماني طَعَنَه في ظهره عندما حاول فرض اتفاق بين العبادي والعامري قبل الانتخابات لأن ذلك كان من شأنه إلغاء اي فرصة للمالكي بالوصول الى رئاسة الوزراء، هو الذي يُعتبر “أب الحشد الشعبي”.

  • السيد مقتدى الصدر: على الرغم من لجوء السيد مقتدى الى إيران العام 2006 ولسنوات بعدها بأوقات متفرقة، إلا ان علاقته بإيران كانت ولا تزال من الندّ للند. فالسيد مقتدى لا يتلقى أوامر ولا تعليمات ولا حتى يقبل بتوصيات طهران إلا اذا صبّتْ لمصلحته هو.

وقد ذهب السيد مقتدى الى السعودية وهو في إيران وذهب من بعدها الى الدول العربية في وقت كانت العلاقة الإيرانية – العربية في أسوأ أوقاتها. وكذلك علاقته مع “حزب الله” عادية جداً وهو بعيد ان يقال إنه رجل إيران في العراق.

  • السيد عمار الحكيم: هو ابن المرجعية (السيد عبد العزيز الحكيم) ولا يأتمر بإيران أبداً. وهو يعتقد ان طهران قد شقّت عصا المجلس الأعلى عندما انفصلت “بدر” (برئاسة هادي العامري) عن “المجلس” حين لم يتماشَ مع أهداف إيران الانتخابية. وكذلك اعتبر في هذه الانتخابات ان إيران تحاول عزْله حتى عن الأحزاب الشيعية ولذلك فهو يعمل برصيد عائلته وليس اعتماداً على إيران.
  • المرجعية الدينية في النجف: ترفض المرجعية العليا تدخُّل إيران في السياسة العراقية وهي تعتبر ان طهران أخطأتْ مرات عدة لعدم درايتها بالتركيبة العراقية وبالشعب العراقي. وهي تعمل لمصلحة العراق دون إعلان العداء لإيران ولكن بعيداً عن التدخل الإيراني (والأميركي) في السياسة العراقية.

اذاً فإن تجمع النصر (حيدر العبادي) والفتح (هادي العامري) وسائرون (مقتدى الصدر) ودولة القانون (نوري المالكي) والحكمة (السيد عمار الحكيم) والعراقية (اياد علاوي) هي التجمعات التي ستحتكر الأكثرية النيابية بين الكتل الشيعية التي تمثل الغالبية السكانية في العراق.

ولن يكون بمقدار اي من هؤلاء الحصول على ثمانين مقعداً لوحده من أصل 329 مقعداً نيابياً ما سيضطر هؤلاء لإنشاء تحالف مع تكتلات أخرى وكذلك مع التحالفات السنية والكردية.

فحظوظ حيدر العبادي (حتى ولو حصل على الأكثرية بين الآخرين ولكن أقلّ من 80 مقعداً) مثلها مثل حظوظ العامري أو نوري المالكي. ويَعْتمد هؤلاء على التحالفات مع التكتلات الأخرى للوصول الى كرسي رئيس الوزراء. فاللعبة لم تُحسم أبداً للمالكي ولا للعامري ولا حتى للعبادي. وكل ما يقال عن تأكيد وصول العبادي هو تكهن فقط، لأن العبادي لم يحرر العراق بل المرجعية هي التي فعلتْ والعبادي ضرب الأكراد ليكون المالكي أوفر حظاً منه.

أما أميركا فلا يَحسب حسابها أحد لان اللعبة الانتخابية هي عراقية، وإذا تدخّلتْ واشنطن فستدفع الى تحالفات لن ترضى بها أبداً. وبانتظار نتائج التحالفات – ليس الانتخابات – ستبقى الأنظار معلّقة على بلاد الرافدين لأهميتها في الشرق الأوسط ووضْعه الحرج.

 

If everyone who reads this reporting, who likes it, helps fund it for as little as 1 Euro will be an effective contributor to its continuity. Thank you.

 

 

 

Comments are closed.