
@ejmalrai بقلم – ايليا ج. مغناير
إستجابةً للضغوط الداخلية، وافق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تمديد الموعد النهائي للإنسحاب من سورية (مقاطعة الحسكة الشمالية – الشرقية) من ثلاثين يوماً إلى أربعة أشهر. وقد جَبَهَالمحللون والصقور في المؤسسات الأميركية قرار ترامب بحجج واهنة لوقف الإنسحاب تحت عنوان “حماية حزب العمال الكردستاني من الإبادة على يد تركيا”، أو أن “داعش يملك بين 20000 الى 30000 مسلّح في العراق وسورية”، أو ان الإنسحاب الأميركي “سيعطي سورية إلى إيران وروسيا” وحتى ان الطريق ستكون مفتوحة للهلال الممتدّ من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق.
وأياً تكن الأسباب، فإن مصير محافظة الحسكة قد حُسم: سنة 2019 ستمثّل عودة الإقليم إلى كنف الدولة السورية، ستختار تركيا معسكرَها الرابح، وسيعود العرب لعلاقة جيّدة مع سورية كي يكون لهم حضن خارج أحضان ترامب الذي يستطيع التخلي عنهم كما سيفعل بالأكراد.
عرَضَ أكراد سورية على أميركا أن يكونوا دروعاً بشرية، حتى يوم إعلان ترامب إنسحابه، وعندها فهِم الأكراد أنه لا يمكن الوثوق بأميركا كحليف. ولم يتشاور الرئيس الأميركي مع الأكراد ولا مع حلفائه الأوروبيين ولا العرب بشأن قرار إنسحابه. وهذا ما دفع دول المنطقة – إبتداءً من السودان والبحرين والإمارات وقريباً الكويت – للعودة إلى دمشق بموافقة الرياض.
وقد أرسلتْ السعودية العديد من الإشارات الإيجابية إلى دمشق: لم يكن فتْح معبر نصيب السوري – الأردني من دون مباركة الرياض. ومن المتوقّع أن تلعب المملكة دوراً إيجابياً خلال القمة العربية – الأوروبية المتوقع عقدها في 24 فبراير في القاهرة، مصر.
ولم تقطع المملكة العربية السعودية أبداً إتصالاتها مع سورية منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة: ففي العام 2015، ومن خلال مبادرةٍ روسية، التقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المبعوث الأمني للرئيس بشار الأسد اللواء علي مملوك في مطار الرياض ليبلغه أنه قد ورث الوضع السوري عن الحكم السابق الذي اتبع سياسة مناهِضة للأسد. وعبّر الأمير محمد عن رغبة السعودية في رؤية سورية بعيدة عن الحضن الإيراني. وحافَظَ مملوك على التواصل مع السعودية من خلال رئيس المخابرات اللواء خالد بن علي بن عبدالله الحميدان ليوضح أن سورية لن تتخلى عن أصدقائها ولا تريد الخروج من المظلة العربية.

وقد أجاب مملوك نظراءه المصريين خلال زيارته الأخيرة للقاهرة ان “سورية لم تنفصل يوماً عن الجامعة العربية بل الجامعة ابتعدتْ وسَلَخَتْ نفسها عن سورية العام 2012″، مضيفاً عن لسان الرئيس الأسد “إن الذي أخْرج سورية يعيدها إلى الجامعة”.
وتجد دمشق نفسها أقوى اليوم من أي وقت. فتركيا تعتمد على إيران وروسيا لتُقُرِّباها من الحكومة السورية. ويعلم الرئيس اردوغان أن أميركا شريك غير موثوق إذ قام بتسليح أعداء تركيا أي “وحدات حماية الشعب” الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، تحت عذر محاربة “داعش”. ويعلم أردوغان أن دول الشرق الأوسط لا تخفي نياتها تجاه أنقرة، وقد تمثل ذلك عبر ما صرّح به وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات أنور قرقاش من ان بلاده تريد العودة إلى دمشق للوقوف في وجه الجبهات الإيرانية – التركية في المنطقة.
وهذا يُجْبِر أردوغان على تحديد إستراتيجية أكثر صداقة تجاه سورية، من دون الوقوف ضدّ أميركا، من خلال الحفاظ على علاقة جيدة مع إيران وروسيا. وقد ترجم ذلك من خلال مؤتمر موسكو الأسبوع الماضي حيث وافقت تركيا على التنسيق في منبج لتفادي التصادم مع الجيش السوري وترْك أميركا تسحب قواتها شرْط نزع سلاح الأكراد لاحقاً. ومن الطبيعي ان يرغب أردوغان في عدم رؤية الأسد ضمن الجبهة العربية المعادية له.
إلا أن إدلب تبقى مشكلة تركيا المستقبلية: ففي أرياف حلب وإدلب، سيطر الجهاديون (النصرة سابقاً) على المناطق المجابهة للجيش السوري بعد تغلّبهم على القوات الموالية لتركيا من نور الدين زنكي وهؤلاء لا يريدون إحترام وقف إطلاق النار بحسب مقررات أستانا، ما سيفرض على سورية وروسيا ضربهم في القريب العاجل لإستعادة كامل الأراضي السورية.

لكن هؤلاء ليسوا الوحيدين المتبقين في سورية، فـ “داعش” يحتل خمس قرى على طول نهر الفرات حيث وضعتْهم القوات الأميركية قبل أشهر عدة. وبالتالي فإن من السذاجة قول البنتاغون ان هناك بين 20 و30 ألف داعشي في سورية والعراق. وفيما تقدّر سورية أن هناك نحو 1500 داعشي، فإن البنتاغون لا يستطيع معرفة عدد مؤيدي هذا التنظيم في العراق الذي يقدَّر عدد مسلحي “داعش” بما بين 1500 و 2000 عنصر لا غير.
وقد انخفض عدد السيارات المفخَّخة والهجمات بشكل كبير جداً من دون نفي إن “داعش” يستطيع مهاجمة أهداف صغيرة أو معزولة أو القيام بإغتيالات من هنا أو هناك، إلا إنه لا شك في أن “دولته” قد ذهبت إلى مزبلة التاريخ.
بغض النظر عن نيات ترامب بالإنسحاب المبكر أو المتأخّر، فإن أكراد سورية إختاروا معسكرهم إلى جانب دمشق. وبالتالي من الأفضل لترامب سحب قواته لتفادي وقوع خسائر بشرية. وكذلك إختار العرب العودة إلى دمشق مهما كان موقف ترامب. أما تركيا فهي أيضاً ستقترب من الأسد القوي اليوم أكثر من أي وقت.
لقد أصبح في عهدة سورية صواريخ إيرانية دقيقة الإصابة تستطيع ضرب أي هدف نفطي في إسرائيل. ولديها طائرات من دون طيار مسلّحة وصواريخ دفاع جوي دقيقة روسيّة بفضل إستمرار إسرائيل بإنتهاك السيادة السورية وتحديها لروسيا. وقام “حزب الله” ببناء قواعد لصواريخه على الحدود وأقام علاقات إستراتيجية مع سورية لم يكن ليحلم بها، وكذلك فعلتْ إيران. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن حزب البعث ولا التضامن العربي ليعطي العراق حرية ضرب أي هدف في سورية بموافقة دمشق. وأخيراً لم يكن المحور المعادي لإسرائيل والرافِض للهيمنة الأميركية أقوى مما هو عليه اليوم … هذه هي نتائج الحرب السورية 2011 – 2018.
هذه المقالة مترجمة مجانًا للعديد من اللغات من قبل المتطوعين حتى يتمكن القراء من الاستمتاع بالمحتوى. . أود أن أشكر متابعي وقراءي على الثقة والدعم.. من فضلك لا تشعر بالإحراج للمساهمة وتساعد في تمويله بمبلغ أقل من يورو واحد. مساهمتك ، مهما كانت صغيرة ، ستساعد في ضمان استمراريتها. شكرا لكم.
You must be logged in to post a comment.