هل من الخطأ أن تموّل إيران حلفاءها بينما تخضع لعقوباتٍ قاسية؟

@ejmalrai :بقلم – ايليا ج. مغناير

يتساءل العديد من الإيرانيين عن فائدة تسليح حلفاء في الشرق الأوسط وتمويلهم، في الوقت الذي تعاني إيران أقسى العقوبات الأميركية. وينتشر هؤلاء الحلفاء في أفغانستان واليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين. 

وثمة سؤال يرتبط بهذه المسألة وهو: هل هذا الدعم للحلفاء هو سبب العقوبات الأميركية على الشعب الإيراني ونظامه أم أن هناك عوامل أخرى؟ وتالياً لماذا تموّل إيران الحلفاء بأحْدث الأسلحة وتثبت إستعدادها للقتال والموت على أراضيهم؟

منذ إنتصار الثورة العام 1979 فرَضَ كل رئيس أميركي عقوباتٍ جديدةً على إيران. وحينها لم يكن لطهران حلفاء أقوياء بل كان يحوطها أعداء وفي مقدّمهم صدام حسين الذي شنّ حربه في 1981، أما أميركا فبدأت حربها على إيران العام 1953 عندما أسقطت إستخباراتها، في عملية أمنية نظمتها، حكومة محمد مصدق المنتخَبة ديموقراطياً، لإبقاء النفط تحت سيطرة الولايات المتحدة وبريطانيا، وتالياً لم تكن الديموقراطية أو الحرية سبباً لقلب الأنظمة بل المصالح التي تطغى كالعادة على كل شيء.

وفي العام 1979 نَصَبَتْ الإدارة الاميركية فخاً لجذْب السوفيات إلى أفغانستان من خلال دعْمها للمجاهدين الذين ولد من رحمهم تنظيم “القاعدة”. وفي العام 2001 وقعت الولايات المتحدة في نفس المستنقع حين غزتْ أفغانستان من دون أن يتعلّم قادتها من التاريخ.  ولم يكن حينها لإيران إلا أعداء يحوطون بها. وفي قمة فاس (المغرب)، وفي العام 1982 رفضت سوريا ومنظمة التحرير مبادرة الملك فهد السعودي للسلام مع إسرائيل والتطبيع معها على حساب القضية الفلسطينية وحق العودة (كما هو حال التواطئ العربي اليوم) فاعطي الضوء الأخضر لضرب الفلسطنيين وإجتاحتْ إسرائيل لبنان لطرْد منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات منه وإحتلت أول عاصمة عربية. وأنتج الإحتلال صعودَ مجموعة من اللبنانيين الذين أرادوا مقاومة إسرائيل. فذهب هؤلاء إلى إيران طلباً للدعم. ففاجأهم الإمام الخميني بكلمته “الخير في ما وقع”، مُحْدثاً صدمة لزواره الذين احتاجوا لسنوات طويلة لإدراك معنى كلماته.

ووجدتْ إيران في شيعة لبنان أرضاً خصبة لإيديولوجيتها التي لا تختلف مع تلك التي يتمتعون بها. وهذه الأرضية كانت أصلاً مهيّأة، بفعل وجود أتباع السيد محمد باقر الصدر كمجموعاتٍ تدرّبت على أيدي المقاومة الفلسطينية وقد طلب منهم الصدر أن “يذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام”.

ولعقود طويلة اعتُبر شيعة لبنان بمثابة مواطنين فئة متدنية. فأُهملت مناطقهم من الدولة وحُرموا حتى من حقوقهم البسيطة. إلى حد أن رئيس الجمهورية إميل إده أراد إعطاء إسرائيل جزءاً من جنوب لبنان للتخلص من تَكاُثر الشيعة. وقد تطلب الأمر وصول الرئيس الحالي الجنرال ميشال عون ليعيد الثقة بين الشيعة والمسيحيين.

ويفرض الدستور الإيراني (المادة 2 و 3 منه) دعْم حركات التحرر وتقديم المساعدة المادية للمستضعَفين. ولهذا أرسل الإمام الخميني حرس الثورة والسلاح إلى لبنان عبر سورية لدعم المقاومة. وقد تطلب ذلك علاقات مميّزة مع بلاد الشام.

ومرّت العلاقات الإيرانية – السورية بمراحل متعددة صعوداً وهبوطاً إلا أنها وصلت إلى مرحلتها الممتازة في الأعوام الأخيرة من حُكْم الرئيس حافظ الأسد عندما أوكل لإبنه بشار مسؤولية العلاقة مع لبنان والمقاومة بالتحديد.

وإرتبط مصير إيران وسورية ولبنان إستراتيجياً. وكانت مهمة الرئيس بشار الأسد صعبة في إبقاء بلاده خارج الصراع عندما دخلتْ أميركا إلى العراق العام 2003، وخصوصاً أن الخطر إقترب كثيراً من بلاده ومن إيران. صحيح أن تخلّص أميركا من نظام صدام حسين كان نعمةً بالنسبة إلى إيران، إلا أن هذا النظام العراقي كان قد أصبح ضعيفاً جداً وخطره على إيران كان معدوماً بعدما حطّمه الحصار الأميركي وفَقَدَ كل أصدقائه في أعقاب إحتلاله الكويت وقصف المملكة العربية السعودية. وتالياً فأن إحتلال أميركا للعراق مَنَعَ إيران من دعْم المقاومة المسلحة العراقية لتحرّر هي بلادها من صدام حسين. وهدفت الولايات المتحدة إلى التقدم نحو سورية ولبنان بعد العراق. وزار وزير خارجيتها آنذاك كولن باول دمشق ليهدد الأسد في حال إستمرّ بدعم حماس و”حزب الله”.

وبإعلان أميركا عن نفسها كـ “قوة إحتلال” تكون إعترفتْ بحسب قانون الأمم المتحدة بحق العراقيين في الدفاع عن أنفسهم وبلادهم. وقد دَعَمَ الرئيس الأسد وإيران والمملكة السعودية (وقفت ضد إعطاء أمريكا السلطة للاكثرية الشيعية) التمرّدَ ضد الإحتلال الأميركي. وكان لإيران هدف يتمثّل بمقاتلة أميركا على أرض عراقية لأنه أقلّ كلفة من مقاتلتها على أرضٍ إيرانية. وهذا يدل على أهمية دعم الحلفاء لطهران، فهم أصبحوا مكوّناً أساسياً لأمن إيران وخط دفاع عنها.

وفي العام 2006 دفعت إدارة الرئيس جورج بوش برئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت إلى المعركة ضدّ “حزب الله” وهو غير مستعدّ لها. وإعتبرتْها واشنطن فرصةً لإغلاق الدائرة حول إيران والقضاء على حليفها في لبنان. وأرادت إخضاع دول المنطقة بغية عقد صلح مع إسرائيل والقضاء على القضية الفلسطينية وإضعاف إيران وعزْلها ليتم ضربها لاحقاً.

وعندما ضربت إسرائيل لبنان في حرب الـ 33 يوماً (2006) فَتَحَ الرئيس الأسد مستودعاته وأَخذ “حزب الله” ما أراد، وخصوصاً الصواريخ الليزرية الموجّهة التي تَسَبَّبَتْ بـ “مقبرة الميركافا” للإسرائيليين رغم تفوّقهم الجوي. وأصبح الأسد شريكاً أساسياً في هزيمة تل أبيب لأن سقوط “حزب الله” كان يعني أيضاً سقوط أو إخضاع سورية في الطريق نحو إيران لاحقاً.

وفي العام 2011  أُعلنت الحرب على سورية وإستغرق الأمر من الرئيس الأسد عامين ليدرك أن المؤامرة تهدف إلى إشعال فوضى وإنتاج دولة فاشلة ينتشر فيها الجهاديون الذين وُلدوا من رحم أفغانستان وتمدّدوا ليقدّموا “هدية” لأميركا وأهدافها في العمل على تدمير إيران وحلفائها. وإخترقتْ الأجهزة المخابراتية هؤلاء الذين أدركوا نقاط ضعفهم وأصبحوا كتاباً مفتوحاً وكانوا السرطان المثالي لتدمير إيران على جبهات عدة.

وتَمَدَّدَ هؤلاء من العراق إلى سورية تحت عيون الإستخبارات الأميركية كما صرح الجنرال الأمريكي مايكل فلن. وطلب الأسد من حلفائه المساعدة وأحضرت إيران قواتها وجاء “حزب الله” برجاله لتبدأ رحلة تحرير سورية. فحاربت طهران على أرض سورية عدواً كان سيتمدّد إلى أرضيها عاجلاً أم آجلاً وقدّمت الدعم إلى حليف أصبح إستراتيجياً وموقع قدم لها في بلاد الشام.

إستغرق الأمر لروسيا حتى سبتمبر 2015 لتستيقظ وتدخل ساحة الشرق الأوسط من النافذة السورية. وفي هذه الأثناء كانت أميركا تخطط لحرق الأرض تحت  أقدام روسيا لأخذ كل البلدان تحت جناح واشنطن وتقهر إيران. وإستطاعت إنشاء قواعد عسكرية في غالبيى دول المنطقة ما عدا في إيران وسورية ولبنان.

ولو كانت إيران لا تملك حلفاء، لَكان الجهد العسكري الأميركي يركّز على إيران وحدها ولكانت أميركا إنتقلتْ من العقوبات القصوى إلى الهجوم العسكري دون خشية العواقب التي تعترضها اليوم، وهي المتمثّلة بحلفاء إيران في فلسطين ولبنان وسورية والعراق الذين يستعدّون لفتْح أبواب جهنم إذا تعرّضت إيران للخطر. ولا يوجد حليف لأميركا يضحّي بحياته ويملك دافعاً إيديولوجياً وأهدافاً مشتركة مثلما يملك حلفاء إيران تجاهها. وهي أيضاً، أي طهران، أظهرت إستعدادها لتقديم التضحيات بجنودها لحلفائها.

لقد قاتل الكثير من اللبنانيين والعراقيين في الحرب الإيرانية – العراقية. وفَقَدَ “حزب الله” الآلاف من المقاتلين وكذلك المقاومة العراقية وغيرهم في سبيل الحليف السوري. وقُتل الكثير من اللبنانيين والإيرانيين لدعم العراق ضد “داعش”. ويوجد اليوم لبنانيون وإيرانيون في اليمن، وهناك دعْم “حزب الله” وإيران للفلسطينيين لتحرير أرضهم. 

لقد أقامت إيران تحالفات عميقة لا تتزحزح، و هاجمت إيران علناً قاعدة عين الأسد الأميركية بعد الإغتيال غير القانوني للواء قاسم سليماني. ولم تجرؤ دولة في العالم على مهاجمة أميركا وجهاً لوجه وإيقاع أكثر من 109 إصابات في صفوف جنودها منذ بيرل هاربر، ولم تحتج إيران للطلب من حلفائها التصرّف بالنيابة عنها.

أما أميركا فتريد إيران وشركاءها بلا صواريخ وطائرات مسلّحة دون طيار وبلا التكنولوجيا الحربية الذكية. وقد أثبتت هذه الصواريخ والطائرات ردْعها ودفاعها عن إيران وحلفائها. ولو لم تكن طهران تتمتع بدعم هؤلاء الحلفاء لَضربتها أميركا من دون تردد.

لم تنتهِ الحرب بعد ولا تزال إيران وحلفاؤها في قلب الصراع، ولن تقف أميركا وإسرائيل متفرّجتيْن على تعَاظُم القوة المعادية لهما. وهذا ما يجعل التضامن بين إيران وحلفائها أكثر ضرورة من أي وقت. وقد يتحدث الإيرانيون عن جدوى الدعم المادي لحلفاء إيران، إلا أن ما يقدّمه هؤلاء الحلفاء من تضحيةٍ بالروح تؤمّن الحمايةَ لإيران وحلفائها لا يُقَدَّرُ بثمن.

تتم ترجمة هذه المقالة مجانًا إلى العديد من اللغات بواسطة متطوعين حتى يتمكن القراء من الاستمتاع بالمحتوى.   أود أن أشكر المتابعين والقراء على الثقة والدعم. فالرجاء ألا تشعر بالحرج للمساهمة والمساعدة في تمويلها مقابل اي مبلغ حتى ولو كان 1 يورو. مساهمتك ، مهما كانت صغيرة ، ستساعد في ضمان استمراريتها. شكرا لك.

Copyright © https://ejmagnier.com  2020