مَن سيكون رئيس وزراء العراق المقبل؟ هل اميركا او ايران تصنع ملوك بابل؟
كتب ايليا مغناير:
يتوجّه ملايين العراقيين الى صناديق الاقتراع لانتخاب اللوائح التي تمثّلهم في البرلمان والتي ستحدد تالياً مَن يتربّع على عرش “بلاد ما بين النهرين” للسنوات الاربع المقبلة؟
ومن المتوقع ان يكون رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي الفائز الاكبر في هذه الانتخابات بعد غياب ايّ منافس حقيقي منفرد يستطيع الوقوف في وجهه او بجانبه او خلفه تماماً، بل من المرجّح ان تبتعد المسافة كثيراً بينه وبين اي كتلة اخرى كالأكراد مثلاً، او ايّ لائحة منفردة كرئيس البرلمان اسامة النجيفي او لائحة السيد عمار الحكيم او السيد مقتدى الصدر، هذا من دون ذكر اللوائح الاخرى الصغيرة مثل لائحة الرئيس السابق اياد علاوي او نائب رئيس الوزراء صالح المطلق او حزب الفضيلة او منظمة بدر او عصائب أهل الحق وغيرهم كثر.
وسيكون من الصعب جداً فرض عدم تربع المالكي على “العرش” لولاية ثالثة خصوصاً اذا كان عدد المقاعد النيابية لـ “دولة القانون” يتعدى حجم اي كتلة منفردة او حتى مجموع كتلتين او ثلاث اذا اتحدوا، هذا من دون حساب الأحزاب الصغيرة التي ستلتحق بركب المالكي لنيل حصة لها داخل الحكومة المقبلة، بحسب المقاعد التي تستطيع الحصول عليها داخل البرلمان الجديد. ومن الطبيعي التكهن بان هناك كتلاً لن تحصل ابداً على ما حصلت عليه في الانتخابات الماضية. مثلاً فان السيد مقتدى الصدر لن ينجح في الحصول على 40 مقعداً بل ستقتصر حصته على أقلّ من ذلك بكثير، وكذلك بالنسبة الى اياد علاوي وصالح المطلق وحزب الفضيلة، بينما سيزداد عدد مقاعد المجلس الاعلى برئاسة السيد عمار الحكيم (مواطن) وكذلك الحال بالنسبة الى اسامة النجيفي ومسعود البرزاني.
… في الكواليس
استطاع نوري المالكي بناء علاقة جيدة مع “المتضاديْن” الاميركي والايراني، كلٌّ “يتفهم ضرورة ومصلحة العراق الاستراتيجية بالتعامل معه، بينما لم تستطع ابداً اميركا ان تلعب اي دور بتقريب وجهات النظر بين الكتل التي انضمّت الى بعضها البعض وأوجدت التحالف الوطني الذي اقر وثبت المالكي في الانتخابات السابقة. لقد كان المخاض عسيراً وتنقّل الفرقاء الاساسيين بين طهران وبيروت ولم يتجه اي منهم الى اي عاصمة اخرى لتصنع “ملك العراق” السابق، وهو الامر عينه المتوقع بالنسبة الى “الملك” المقبل.
المالكي في “طبعته” الماضية لم يكن على علاقة جيدة ببعض دول الجوار، فالمملكة العربية السعودية تمنّت قبل اربعة اعوام على الرئيس السوري بشار الاسد لعب دور مؤثر في دعم الرئيس السابق اياد علاوي، وقد أراد الأسد ذلك ايضاً لسوء علاقته مع المالكي بسبب اتهام الاخير للرئيس السوري بالسماح لمقاتلي “القاعدة” بالدخول الى العراق ونشر الفوضى والقتل لدفع القوات الاميركية الى مغادرة ارض الرافدين.
يومها ضمّت اميركا صوتها لصوت السعودية وسورية، الا ان حسابات الحقل لم توازي حسابات البيدر حيث استطاعت ايران ان تنزع “التاج” من يد جميع الفرقاء لوضعه على رأس المالكي رغم امتعاض دول الجوار والفرقاء الشيعة والسنّة. لقد اثبت المالكي – من وجهة نظر ايران – انه يستطيع ان يقف دون ان يرتجف امام عملية “الترغيب والترهيب” التي تمارسها الولايات المتحدة، فهو رفض التجديد لقواتها او السماح لها بإنشاء قاعدة عسكرية تشكل خطراً على أمن ايران الاستراتيجي.
ايران والعراق
ولكن هل المالكي “دمية” بيد ايران كما يعتقد الكثيرون؟
ليس الامر بهذه البساطة. فالجمهورية الاسلامية في ايران تمثل “الام الحنون السياسية” لشيعة العراق (ولبنان ايضاً) بسبب موقف المرجعية في النجف التي تنأى بنفسها عن السياسة الى حدّ ما، ولان آية الله العظمى السيد علي السيستاني يعتبر نفسه “المرجعية المعتدلة”.
ولهذا فان محجة الساسة العراقيين – ما عدا السنّة الذين لا يرغبون بعبور طريق الحرير في اتجاه الجار الفارسي او يخشون ردة فعل ناخبيهم والانقلاب عليهم او لفظهم – لا بد ان تمر عبر طهران التي لعبت وستلعب دور الاطفائي او المنسق بين الكتل التي ناءت تحت سلطة المالكي، المتهَم من شركائه السياسيين بانه استأثر بالسلطة وبمفاتيح الدولة كلها.
الا ان ايران التي استضافت السيد مقتدى الصدر اثناء لجوئه اليها خوفاً من الاغتيال، لم تستطع منعه من التوجه نحو المملكة العربية السعودية والكويت دون التنسيق معها، كما ان المفاوضات اتخذت منحى طويلاً وشاقاً للمفاوض الايراني لاقناع السيد مقتدى بأن المالكي حصل على العدد الاكبر من المقاعد وتالياً من حقه رئاسة الحكومة، كما لم تستطع فرض المالكي على المجلس الاعلى حيث اعلن السيد عمار الحكيم تمرّده الكامل على تمني ايران بدعم رئيس الوزراء الحالي، فما كان من خيار الا العمل على لملمة الأصوات من الكتل الصغيرة والرضوخ لمطالب كتلة الاكراد والكتل الاخرى الشيعية والسنية لتخطي عناد أقرب الحلفاء لايران. ولهذا اتت صناعة “الملك العراقي” وتتويجه بعيداً كلياً عن الايدي الاقليمية – الدولية ما عدا ايران.
وهذا ما سيحصل اليوم؟
بدأت المفاوضات منذ لحظة اعلان نتائج الانتخابات الماضية للمحافظات والتي رسمت خريطة النتائج المرتقبة للانتخابات النيابية والمقاعد المتوقعة. فمن الطبيعي ان يتّحد “أعداء” المالكي او منافسيه على سلطة رئاسة الحكومة والعمل على إعطاء “الكرسي” لسواه او دفعه الى التخلي عن وزارة اساسية من تلك التي يحتكرها ليتسنى للآخرين المشاركة الحقيقية لقاء اصواتهم الرائيس المقبل، الا ان هذا التحالف الطامح الى خلع السلطة او بعضها من المالكي لا يعني ان أطرافه سيتفقون على الوزارات السيادية او على شخصية رئيس الوزراء المقبل.
فاذا حصل المجلس الاعلى والتيار الصدري على عدد مناسب من المقاعد ومتوازي مع ما يحصده المالكي، يستطيع هؤلاء فرْض شروطهم عبر توحّدهم مع كتل اخرى لضرب المالكي و”سلبه” كرسي رئاسة الوزراء.
اما اذا حصل هؤلاء على عدد اقلّ بكثير مما يرغبون من المقاعد – وهذا ما هو متوقع لهم – فان من المستحيل عليهم مطالبة المالكي بالتنحي عن سلطة يملكها هو دونهم. لذلك فان نتائج الانتخابات ستصنع “هيئة” الرئيس المقبل من دون ان تجلسه على كرسي السلطة الا بعد وقت طويل وتجاذُب بين البيت الواحد لأسباب تتصل بتقاسُم الكعكة، كما ان اي تفاهم من هذا النوع لا يعني انه ضمانة تحول دون انقلاب المالكي على اي اتفاق بعد جلوسه على حكم بلاد الرافدين.
مقتدى والحكيم
وفي قراءة خريطة القوى السياسية وتوجهاتها حيال الانتخابات وما بعدها، كان لافتاً ان السيد مقتدى الصدر اعلن في شكل مفاجئ قبل مدة انسحابه من العملية السياسية “لعدم رضاه عن اداء الحكومة والسياسيين”، الا ان هذا الاعلان الذي اتى بعد اربعة اعوام من مشاركته في الحكم من خلال نوابه الـ40 ووزرائه، جاء متأخراً وإن دل على شيء فعلى إقتناعه بان خطوة كهذه ستُحسب له (خطأً) على انها دهاء سياسي.
فمن الطبيعي ان لا يحصل السيد مقتدى الصدر على 40 نائباً في هذه الدورة، وإن حصل على النصف (اقل او اكثر) سيُعدّ انجازاً، لذلك فإنه أراد وفي خطوة استباقية “تبرير” هذه الخسارة المتوقعة ولحاق ركب المرجعية في النجف – الذي هو فقط يعتبر نفسه جزءاً منها – بانتقاده اداء الحكومة التي كان جزءاً منها.
اما السيد عمار الحكيم، راعي كتلة “مواطن”، فمرشحه لرئاسة مجلس الوزراء هو وزير الداخلية والمالية السابق باقر جبر الزبيدي، … انه اختيار غير مضمون لما نُسب للزبيدي ايام وجوده على رأس وزارة الداخلية. ومن المتوقع، رغم انسحاب منظمة بدر التي يترأسها وزير المواصلات هادي العامري من المجلس الاعلى، ان يحصل المجلس على حصة اكبر من المقاعد في الانتخابات المقبلة من تلك التي حصدها في الانتخابات الماضية (20 نائباً).
خطأ المجلس الاعلى في الانتخابات الماضية كان عدم التمكن من تفسير القانون الانتخابي في شكل مناسب لحصوله على اصوات تفوق حاجته في بعض المحافظات، وتشتت الاصوات في محافظات أخرى، ولهذا السبب ولتراجُع الدعم للسيد مقتدى واسباب اخرى، فمن المتوقع ان يحصل على مقاعد اكبر ليكون احد الذين سيتصدرون الموقف الداعم للمالكي بشرط ان يقبل رئيس الوزراء المشاركة الحقيقية بالسلطة ويعطي “كل ذي حق حقه للحلفاء”.
وما دام الحديث عن الأحجام المتوقعة لتلك الكتل، فمن المهم الاشارة الى انه اذا تسنّى لمقتدى الصدر وعمار الحكيم الفوز بـ 50 مقعداً معاً، فعندها ستكون امام المالكي، الذي يتوقع حصوله على نحو 100 مقعد، فرصة التفاهم معهما على النحو الذي يعيده الى رئاسة مجلس الوزراء من دون الحاجة الى تقديم تنازلات لأطراف غير شيعية، كالكتل السنيّة او الكردية.
المرجعية
لم تخرج المرجعية العليا عن المألوف، فمن عادتها عدم دعم اي مرشح من دون ان تتردد في “انتقاد الحكومة والمسؤولين في شكل عام بسبب الاداء الذي لا يلبي تطلعات الشعب العراقي ومتطلباته”.
التفصيل اللافت صدر علناً عن آية الله الشيخ بشير النجفي الذي جاهر بدعمه علناً للسيد عمار الحكيم، وذلك لاستيائه من المالكي وحكومته، الا ان مَن ينظر الى داخل المرجعية في النجف، يرى ان آية الله الشيخ اسحاق الفياض يوحي لسائليه علناً ان لا يدعموا الحكومة التي لم تقدم شيئاً للناس، وهو ما يوحي به ايضاً السيد السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ محمد اليعقوبي.
الا ان قرار المرجعية بعدم التدخل في العملية السياسية أبعدها عن القرار السياسي وأبقاها سلطة روحية، فالشعب العراقي ينظر الى مصالحه في هذه الدنيا والخدمات التي يحتاجها والتي لا تستطيع ولا تريد المرجعية ان تكون جزءاً منها، بل انها تقول للناس “تحملوا مسؤولية قراركم ولا تطرقوا بابنا للتأفف او للشكوى على مَن اخترتموهم انتم باصابعكم الملوثة… بالحبر”.
ولهذا فان تراجع المرجعيات او دعم احد منها لهذا المرشح او ذاك لن يغيّر كثيراً في مجرى الأصوات المتوقعة للتكتلات النيابية القوية، مما يجعل الاعتقاد السائد ان رئيس الوزراء نوري المالكي هو المرجح الاكبر للتتويج “ملك ملوك بابلونيا” الحديثة.
You must be logged in to post a comment.