اميركا وايران و”ساحاتهما” في حرب لم تقع وسلام صعب (3)
… في العراق أدارت واشنطن ظهرها للرياض
فأدارت طهران محرّكاتها في اتجاه بغداد
* ديبلوماسي غربي كشف لـ “الراي” عن عتاب الفيصل لأوباما بسبب الانفتاح المفاجئ على الرياض
* هكذا انفجر الخلاف على “خلافة” علاوي للمالكي بين ايران والسعودية وسورية
* الجنرال سليماني زار العراق اخيراً تحضيراً للانتخابات النيابية المقبلة
* روحاني يعتزم زيارة السعودية بعد حين وفي جيبه اقتراح لجنة لحلّ الخلافات
* الحاج سليماني بادر الى تدريب “عصائب اهل الحق” على ايدي “حزب الله” بعد اعتقال الاميركيين لرئيس اركان “لواء القدس”
* “حزب الله” اللبناني ادار العمليات الاكثر جرأة ضد الاميركيين في كربلاء
* وهج سليماني الاقليمي حضر في تقبله التعازي بوفاة والدته اخيراً
* مسؤول ايراني لـ “الراي”: نريد افضل العلاقات مع الرياض لضمان معالجة الملفات العالقة
بروكسيل – من ايليا .ج . مغناير:
لم تكن اسرائيل وحدها التي استُفزت من الرغبة المتبادلة الاميركية – الايرانية بالتقارب، ولم يحجب سخط تل ابيب جراء إدارة الاذن الطرشاء لارتيابها من كسْر الجليد بين واشنطن وطهران، الاستياء الـ “ما فوق عادي” الذي قابلت به المملكة العربية السعودية، الخصم اللدود لايران، ملامح الانفتاح الاميركي – الايراني.
ديبلوماسي غربي بارز كشف لـ “الراي” عن ان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل ابلغ الى الرئيس الاميركي باراك اوباما عتب بلاده على التقارب المفاجىء مع ايران، رغم ملفها النووي ودفعها “حزب الله” للقتال في سورية وبسط سيطرتها على العراق، فردّ عليه اوباما، كما قال ايضاً (لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين) نتنياهو، “ان البرنامج النووي هو احد همومكم ومخاوفكم، فاذا تخلصنا من هذا العبء فالامر سيعود بالنفع على الجميع، اذاً لماذا القلق؟ّ”.
وبدا ان المناخ الجديد، الذي أسّس له الاتصال الهاتفي بين اوباما والرئيس الايراني حسن روحاني أملى على الجميع البدء في التفكير بآليات جديدة لمقاربة الملفات اللاهبة في المنطقة، وهو ما جرى التعبير عنه في معاينة الاتجاهات التي ستحكم العلاقة بين الدولتين الاقليميتين الاهمّ اللتين تتشاركان الملفات والأزمات وتالياً الحلول، اي العلاقة بين المملكة العربية السعودية وايران القائمة في المرحلة الراهنة على مواجهات تمتدّ من افغانستان واليمن الى العراق ولبنان والبحرين، مروراً بسورية.
غير ان العراق، خزان النفط العربي الأهمّ، يشكل (بعد الملف النووي) الجرح الاكثر ايلاماً في طريق تضميد العلاقة بين الرياض وطهران، تلك العلاقة المصابة بحمى الصراع على امتداد الشرق الاوسط، وهو جرح قديم اصابت تفاعلاته المتوالية العلاقة السعودية – الايرانية بنكسة تلو الاخرى.
فـ “بلاد الرافدين” كانت المستنقع الذي غرقت به طهران ابان الحرب العراقية – الايرانية، وواشنطن ابان حرب الاطاحة بصدام حسين. والعراق عيْنه كان السبب ايضاً للحرب على الرئيس السوري بشار الاسد ولتدهور العلاقة السعودية – الايرانية.
ورغم ان صدّام حسين قصف المملكة العربية السعودية ابان ما يعرف بـ “حرب الخليج الاولى”، فان الرياض لم تكن راضية على الحرب الاميركية – الغربية لاسقاط نظامه في العام 2003 وتقديم حكم العراق لخصومه السياسيين من حلفاء ايران والشيعة الموالين لطهران.
ورغم ان الرياض تعاطت مع الوقائع الجديدة في العراق كـ “امر واقع”، فانها حاولت الحدّ من وطأة السيطرة المعنوية – السياسية لايران على “بلاد ما بين النهرين”، وهي المحاولة التي تجلت في شكل اساسي في الاتفاق مع سورية وايران على دعم رئيس الوزراء السابق اياد علاوي لتسلم الحكم من رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، بعد فوز الاول بالغالبية النيابية في الانتخابات الاخيرة، وهو الاتفاق الذي انفجر خلافاً، تطايرت حممه وما زال تدور رحاه على الارض.
مصدر قريب من الرئيس السوري بشار الاسد روى لـ “الراي” فصولاً من تلك المرحلة، حين قال: “سورية كانت متفاهمة مع المملكة العربية السعودية والاكراد على دعم اياد علاوي وتسهيل وصوله الى الحكم في العراق بعد فوز قائمته (القائمة العراقية) بـ 91 صوتاً، الا ان حلفاء سورية لم يكن لهم الموقف نفسه، ولذا تمّ القبول بعدم الاعتراض على نوري المالكي رغم مواقفه الحادة من سورية في حينه، وهو الذي اتهم الرئيس الاسد بتسهيل دخول الجهاد العالمي الى العراق لزعزعة الاستقرار”.
واوضح مسؤول ايراني بارز بعض “القطب المخفية” في تلك المرحلة الشديدة التعقيد من الصراع على الحكم في العراق، فقال لـ “الراي” ان “علاوي كان يرأس القائمة العراقية على الورق فقط، ولم يكن له تأثير على معظم اعضاء الكتلة. فالرئيس صالح المطلق على سبيل المثال كان يملك 21 مقعداً في البرلمان، بينما لم يكن علاوي يملك سوى 9 مقاعد، تضاءل عددها اليوم”.
وأشار المسؤول الايراني الى “ان علاوي، وكما شرح لنا اعضاء في قائمته، استُخدم شكلاً لأنه شيعي لوصول الاطراف الاخرين من القائمة العراقية الى السلطة. لقد جرى استخدام شيعيته لضمان وصول الآخرين لأن الاكثرية الحاكمة يجب ان تكون للشيعة”، معتبراً “ان هذا التحالف لن يصمد في الانتخابات المقبلة بعدما اثبت عدم جدواه”.
ورأى المسؤول الايراني عينه “ان مسألة الانتخابات ومعاودة انتخاب المالكي احد أهم أبواب النزاع المفتوح بين الرياض وطهران. ولهذا السبب لم يُستقبل نوري المالكي منذ اعوام في المملكة العربية السعودية التي دعمت معارضيه وكل ما يمنع استقراره في الحكم”.
وأفضت لعبة المصالح وتقاطعاتها الى طلب الولايات المتحدة التنسيق مع ايران بعد سقوط صدام حسين وإزاحتها اكثر القادة العرب عداء للجمهورية الاسلامية في ايران، التي تنفست بدورها الصعداء مع تهاوي النظام السابق في بغداد واستبداله بحكم الاكثرية الشيعية المؤمنة بضوابط المرجعية العليا، الا ان طهران رفضت التعامل مع الولايات المتحدة بعدما لمست نيات جورج بوش الابن تهديد ايران من على مرمى حجر من حدودها.
هذا الواقع المستجدّ بين اميركا وايران على أرض العراق أطلق حالة من الاشتباك، الذي قاده قائد “لواء القدس” في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني، وهو اللواء المعني بدعم حركات التحرير في العالم، الا ان الولايات المتحدة حاولت الوقوف بالمرصاد وقامت بالقاء القبض على رئيس اركان لواء القدس خلال زيارة للمجلس الأعلى الاسلامي.
وإزاء هذا الامر، بادر الحاج سليماني الى تدريب “عصائب اهل الحق” باشراف من “حزب الله” اللبناني، الذي كان مسؤولاً عن اكثر العمليات جرأة ضد الاميركيين في كربلاء. ففي واحدة من تلك العمليات إقتحمت قوات “العصائب” المركز الاميركي الواقع داخل مبنى المحافظة بسيارات وزير عراقي وبثياب الحرس الوطني وقتلت ضابطاً اميركياً بعدما أقتادته في اتجاه طريق البصرة وتخلصت من جثته لاحقاً.
ومَن يتابع مجريات الواقع العراقي يكتشف وبلا عناء ان الغلبة كانت للجنرال سليماني، الذي لم ينقطع عن زيارة العراق، بحسب مصدر ايراني مطلع، وآخر زياراته كانت الشهر الماضي تحضيراً للانتخابات العراقية المقبلة، وهو الذي تحوّل مقره اخيراً يوم وفاة والدته محجة للساسة العراقيين الذين جاؤوا اليه للتعزية، ولشخصيات اخرى من غالبية دول المنطقة و”الساحات” التي يملك فيها الحاج سليماني وهجاً لا يُقاوم.
هذه الوقائع ان دلّت على شيء فإنها تدل على ان الولايات المتحدة خرجت من العراق وتركت ساحته لايران، من دون ان تلتفت لحليفتها التاريخية في المنطقة، اي للمملكة العربية السعودية التي دعمت اميركا في جميع حروبها الشرق اوسطية وأغدقت من خزائنها للحفاظ على تدفق “الذهب الاسود” في اتجاه الغرب وبأسعار متوازنة لا ترضاها ايران.
هكذا كبر “جبل الخلافات” بين الرياض وطهران الى الحد الذي دفع الملك عبدالله بن عبد العزيز الى القول، بحسب وزير الدفاع الفرنسي جان – ايف لودريان “ان ايران واسرائيل لا تستحقان الوجود على الارض”. ولم يكن هذا التوصيف مفاجئاً للدوائر الغربية التي كشفت ان المملكة العربية السعودية كانت وافقت على فتح اجوائها امام الطائرات في حال تَقرر قصف المفاعل النووي الايراني، اضافة الى ان الرياض أبدت استعدادها منذ مدة للتعويض على الغرب عن اي نقص قد ينجم على صعيد النفط اذا أُقرت عقوبات اكثر صرامة على ايران.
لم تبادر ايران الى التعاطي بالمثل مع المملكة العربية السعودية، بحسب ما قاله مصدر ايراني مسؤول لـ “الراي” حين تحدث عن “ان طهران تحرص على حسن الجوار وعلى اليد الممدودة في اتجاه الرياض”، مشيراً الى “اننا نريد افضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية من اجل حل الخلافات القائمة من دون اللجوء الى تدخل الغرب الذي أثبت ان لا اصدقاء له، بل مصالح تحدد سياساته”.
وأكد المصدر ان “الرئيس الايراني حسن روحاني سيزور المملكة العربية السعودية في قت لاحق للعمل على تعزيز العلاقة بين البلدين وتشكيل لجنة مشتركة لدرس جميع الملفات الساخنة والعمل على تذليل العقبات او ما امكن منها اذا كانت النيات صادقة بين الطرفين”، لافتاً الى ان “العلاقة الجيدة بين الجمهورية الاسلامية والمملكة العربية السعودية ستضم الجهود لمحاربة الجهاد العالمي الذي يضرب المنطقة ككل وخصوصاً المملكة العربية السعودية التي تتعرض باستمرار لهجمات من تنظيم “القاعدة”. وهذه الجهود المستقبلية ستخدم العراق الذي يتعرض لهجمة تكفيرية، وفي الامكان ان نتفق في مكان ونختلف في مكان آخر في الشرق الاوسط، لكن المهم هو الجلوس الى طاولة المفاوضات والعمل الجدي لإزالة الخلافات العالقة التي ينوء تحتها العالم الاسلامي”.